كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم يرجع إلى نشأة هذا البيت الحرام، الذي يستبد به المشركون، يعبدون فيه الأصنام، ويمنعون منه الموحدين بالله، المتطهرين من الشرك.. يرجع إلى نشأته على يد إبراهيم عليه السلام بتوجيه ربه وإرشاده. ويرجع إلى القاعدة التي أقيم عليها وهي قاعدة التوحيد. وإلى الغرض من إقامته وهو عبادة الله الواحد، وتخصيصه للطائفين به والقائمين لله فيه:
{وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئًا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق}..
فللتوحيد أقيم هذا البيت منذ أول لحظة. عرف الله مكانه لإبراهيم عليه السلام وملكه أمره ليقيمه على هذا الأساس: {أن لا تشرك بي شيئًا} فهو بيت الله وحده دون سواه.
وليطهره به من الحجيج، والقائمين فيه للصلاة: {وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود} فهؤلاء هم الذين أنشيء البيت لهم، لا لمن يشركون بالله، ويتوجهون بالعبادة إلى سواه.
ثم أمر الله إبراهيم عليه السلام باني البيت إذا فرغ من إقامته على الأساس الذي كلف به أن يؤذن في الناس بالحج؛ وأن يدعوهم إلى بيت الله الحرام ووعده أن يلبي الناس دعوته، فيتقاطرون على البيت من كل فج، رجالا يسعون على أقدامهم، وركوبًا {على كل ضامر} جهده السير فضمر من الجهد والجوع: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق}..
وما يزال وعد الله يتحقق منذ إبراهيم عليه السلام إلى اليوم والغد. وما تزال أفئدة من الناس تهوى إلى البيت الحرام؛ وترف إلى رؤيته والطواف به.. الغني القادر الذي يجد الظهر يركبه ووسيلة الركوب المختلفة تنقله؛ والفقير المعدم الذي لا يجد إلا قدميه. وعشرات الألوف من هؤلاء يتقاطرون من فجاج الأرض البعيدة تلبية لدعوة الله التي أذن بها إبراهيم عليه السلام منذ آلاف الأعوام..
ويقف السياق عند بعض معالم الحج وغاياته:
{ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق}..
والمنافع التي يشهدها الحجيج كثير. فالحج موسم ومؤتمر. الحج موسم تجارة وموسم عبادة. والحج مؤتمر اجتماع وتعارف، ومؤتمر تنسيق وتعاون. وهو الفريضة التي تلتقي فيها الدنيا والآخرة كما تلتقي فيها ذكريات العقيدة البعيدة والقريبة.. أصحاب السلع والتجارة يجدون في موسم الحج سوقًا رائجة، حيث تجبى إلى البلد الحرام ثمرات كل شيء.. من أطراف الأرض؛ ويقدم الحجيج من كل فج ومن كل قطر، ومعهم من خيرات بلادهم ما تفرق في أرجاء الأرض في شتى المواسم.. يتجمع كله في البلد الحرام في موسم واحد. فهو موسم تجارة ومعرض نتاج؛ وسوق عالمية تقام في كل عام.
وهو موسم عبادة تصفو فيه الأرواح، وهي تستشعر قربها من الله في بيته الحرام. وهي ترف حول هذا البيت وتستروح الذكريات التي تحوم عليه وترف كالأطياف من قريب ومن بعيد..
طيف إبراهيم الخليل عليه السلام وهو يودع البيت فلذة كبده إسماعيل وأمه، ويتوجه بقلبه الخافق الواجف إلى ربه: {ربنآ إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} وطيف هاجر، وهي تستروح الماء لنفسها ولطفلها الرضيع في تلك الحرة المتلهبة حول البيت، وهي تهرول بين الصفا والمروة وقد نهكها العطش، وهدها الجهد وأضناها الإشفاق على الطفل.. ثم ترجع في الجولة السابعة وقد حطمها اليأس لتجد النبع يتدفق بين يدي الرضيع الوضيء. وإذا هي زمزم. ينبوع الرحمة في صحراء اليأس والجدب.
وطيف إبراهيم عليه السلام- وهو يرى الرؤيا، فلا يتردد في التضحية بفلذة كبده، ويمضي في الطاعة المؤمنة إلى ذلك الأفق البعيد: {قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} فتجيبه الطاعة الراضية في إسماعيل عليه السلام-: {قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} وإذا رحمة الله تتجلى في الفداء: {وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنَّا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم} وطيف إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام يرفعان القواعد من البيت، في إنابة وخشوع: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم} وتظل هذه الأطياف وتلك الذكريات ترف وتتتابع، حتى يلوح طيف عبد المطلب، وهو ينذر دم ابنه العاشر إن رزقه الله عشرة أبناء. وإذا هو عبد الله. وإذا عبد المطلب حريصًا على الوفاء بالنذر. وإذا قومه من حوله يعرضون عليه فكرة الفداء وإذا هو يدير القداح حول الكعبة ويضاعف الفداء، والقدح يخرج في كل مرة على عبد الله، حتى يبلغ الفداء مائة ناقة بعد عشر هي الدية المعروفة. فيقبل منه الفداء، فينحر مائة وينجو عبد الله. ينجو ليودع رحم آمنة أطهر نطفة وأكرم خلق الله على الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يموت! فكأنما فداه الله من الذبح لهذا القصد الوحيد الكريم الكبير!
ثم تتواكب الأطياف والذكريات. من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدرج في طفولته وصباه فوق هذا الثرى، حول هذا البيت.. وهو يرفع الحجر الأسود بيديه الكريمتين فيضعه موضعه ليطفئ الفتنة التي كادت تنشب بين لقبائل.. وهو يصلي.. وهو يطوف.. وهو يخطب.. وهو يعتكف.. وإن خطواته عليه الصلاة والسلام لتنبض حية في الخاطر، وتتمثل شاخصة في الضمير، ويكاد الحاج هناك يلمحها وهو مستغرق في تلك الذكريات.. وخطوات الحشد من صحابته الكرام وأطيافهم ترف وتدف فوق هذا الثرى، حول ذلك البيت، تكاد تسمعها الأذن وتكاد تراها الأبصار!
والحج بعد ذلك كله مؤتمر جامع للمسلمين قاطبة. مؤتمر يجدون فيه أصلهم العريق الضارب في أعماق الزمن منذ أبيهم إبراهيم الخليل: {ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا} ويجدون محورهم الذي يشدهم جميعًا إليه: هذه القبلة التي يتوجهون إليها جميعًا ويلتقون عليها جميعًا.. ويجدون رايتهم التي يفيئون إليها.. راية العقيدة الواحدة التي تتوارى في ظلها فوارق الأجناس والألوان والأوطان.. ويجدون قوتهم التي قد ينسونها حينًا. قوة التجمع والتوحد والترابط الذي يضم الملايين. الملايين التي لا يقف لها أحد لو فاءت إلى رايتها الواحدة التي لا تتعدد.. راية العقيدة والتوحيد.
وهو مؤتمر للتعارف والتشاور وتنسيق الخطط وتوحيد القوى، وتبادل المنافع والسلع والمعارف والتجارب. وتنظيم ذلك العالم الإسلامي الواحد الكامل المتكامل مرة في كل عام. في ظل الله. بالقرب من بيت الله. وفي ظلال الطاعات البعيدة والقريبة، والذكريات الغائبة والحاضرة. في أنسب مكان، وأنست جو، وأنسب زمان.. فذلك إذ يقول الله سبحانه: {ليشهدوا منافع لهم}.. كل جيل بحسب ظروفه وحاجاته وتجاربه ومقتضياته. وذلك بعض ما أراده الله بالحج يوم أن فرضه على المسلمين، وأمر إبراهيم عليه السلام أن يؤذن به في الناس.
ويمضي السياق يشير إلى بعض مناسك الحج وشعائره وأهدافها:
{ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}..
وهذه كناية عن نحر الذبائح في أيام العيد وأيام التشريق الثلاثة بعده. والقران يقدم ذكر اسم الله المصاحب لنحر الذبائح، لأن الجو جو عبادة ولأن المقصود من النحر هو التقرب إلى الله. ومن ثم فإن أظهر ما يبرز في عملية النحر هو ذكر اسم الله على الذبيحة. وكأنما هو الهدف المقصود من النحر لا النحر ذاته..
والنحر ذكرى لفداء إسماعيل عليه السلام فهو ذكرى لآية من آيات الله وطاعة من طاعات عبديه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فوق ما هو صدقة وقربى لله بإطعام الفقراء. وبهيمة الأنعام هي الإبل والبقر والغنم والمعز.
{فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير}..
والأمر بالأكل من الذبيحة يوم النحر هو أمر للإباحة أو الاستحباب. أما الأمر بإطعام البائس الفقير منها فهو أمر للوجوب. ولعل المقصود من أكل صاحبها منها أن يشعر الفقراء أنها طيبة كريمة.
وبالنحر ينتهي الإحرام فيحل للحاج حلق شعره أو تقصيره، ونتف شعر الإبط، وقص الأظافر والاستحمام. مما كان ممنوعًا عليه في فترة الإحرام، وهو الذي يقول عنه: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم} التي نذروها من الذبائح غير الهدي الذي هو من أركان الحج. {وليطوّفوا بالبيت العتيق}.. طواف الإفاضة بعد الوقوف بعرفات. وبه تنتهي شعائر الحج. وهو غير طواف الوداع.
والبيت العتيق هو المسجد الحرام أعفاه الله فلم يغلب عليه جبار. وأعفاه الله من البلى والدثور، فما يزال معمورًا منذ إبراهيم عليه السلام ولن يزال.
تلك قصة بناء البيت الحرام، وذلك أساسه الذي قام عليه.. بيت أمر الله خليله إبراهيم عليه السلام بإقامته على التوحيد، وتطهيره من الشرك، وأمره أن يؤذن في الناس بالحج إليه. ليذكروا اسم الله لا أسماء الآلهة المدعاة على ما رزقهم من بهمية الأنعام.
ويأكلوا منها ويطعموا البائس الفقير على اسم الله دون سواه.. فهو بيت حرام حرمات الله فيه مصونه وأولها عقيدة التوحيد، وفتح أبوابه للطائفين والقائمين والركع السجود إلى جانب حرمة الدماء، وحرمة العهود والمواثيق. وحرمة الهدنة والسلام.
{ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق}..
وتعظيم حرمات الله يتبعه التحرج من المساس بها. وذلك خير عند الله. خير في عالم الضمير والمشاعر، وخير في عالم الحياة والواقع. فالضمير الذي يتحرج هو الضمير الذي يتطهر والحياة التي ترعى فيها حرمات الله هي الحياة التي يأمن فيها البشر من البغي والاعتداء، ويجدون فيها متابة أمن، وواحة سلام، ومنطقة اطمئنان..
ولما كان المشركون يحرمون بعض الأنعام كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي فيجعلون لها حرمة، وهي ليست من حرمات الله بينما هم يعتدون على حرمات الله فإن النص يتحدث عن حل الأنعام إلا ما حرم الله منها كالميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به: {وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم}.. وذلك كي لا تكون هنالك حرمات إلا لله؛ وألا يشرع أحد إلا بإذن الله؛ ولا يحكم إلا بشريعة الله.
وبمناسبة حل الأنعام يأمر باجتناب الرجس من الأوثان. وقد كان المشركون يذبحون عليها وهي رجس والرجس دنس النفس والشرك بالله دنس يصيب الضمير ويلوث القلوب، ويشوب نقاءها وطهارتها كما تشوب النجاسة الثوب والمكان.
ولأن الشرك افتراء على الله وزور، فإنه يحذر من قول الزور كافة: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور}..
ويغلظ النص من جريمة قول الزور إذ يقرنها إلى الشرك.. وهكذا روى الإمام أحمد بإسناده عن فاتك الأسدي قال: صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم الصبح. فلما انصرف قام قائمًا فقال: «عدلت شهادة الزور الإشراك بالله عز وجل» ثم تلا هذه الآية..
إنما يريد الله من الناس أن يميلوا عن الشرك كله، وأن يجتنبوا الزور كله، وأن يستقيموا على التوحيد الصادق الخالص: {حنفاء لله غير مشركين به}.. ثم يرسم النص مشهدًا عنيفًا يصور حال من تزل قدماه عن أفق التوحيد، فيهوي إلى درك الشرك. فإذا هو ضائع ذاهب بددًا كأن لم يكن من قبل أبدًا:
{ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق}..
إنه مشهد الهويّ من شاهق {فكأنما خر من السماء}. وفي مثل لمح البصر يتمزق {فتخطفه الطير} أو تقذف به الريح بعيدًا بعيدًا عن الأنظار: {أو تهوي به الريح في مكان سحيق} في هوة ليس لها قرار!
والملحوظ هو سرعة الحركة مع عنفها وتعاقب خطواتها في اللفظ بالفاء وفي المنظر بسرعة الاختفاء.. على طريقة القرآن الكريم في التعبير بالتصوير.
وهي صورة صادقة لحال من يشرك بالله، فيهوي من أفق الإيمان السامق إلى حيث الفناء والانطواء. إذ يفقد القاعدة الثابتة التي يطمئن إليها. قاعدة التوحيد. ويفقد المستقر الآمن الذي يثوب إليه؛ فتتخطفه الأهواء تخطف الجوارح، وتتفاذفه الأوهام تقاذف الرياح. وهو لا يمسك بالعروة الوثقى، ولا يستقر على القاعدة الثابتة، التي تربطه بهذا الوجود الذي يعيش فيه.
ثم يعود السياق من تعظيم حرمات الله باتقائها والتحرج من المساس بها.. إلى تعظيم شعائر الله وهي ذبائح الحج باستسمانها وغلاء أثمانها:
{ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق}.
ويربط بين الهدي الذي ينحره الحاج وتقوى القلوب؛ إذ إن التقوى هي الغاية من مناسك الحج وشعائره. وهذه المناسك والشعائر إن هي إلا رموز تعبيرية عن التوجه إلى رب البيت وطاعته. وقد تحمل في طياتها ذكريات قديمة من عهد إبراهيم عليه السلام وما تلاه. وهي ذكريات الطاعة والإنابة، والتوجه إلى الله منذ نشأة هذه الأمة المسلمة. فهي والدعاء والصلاة سواء.
وهذه الأنعام التي تتخذ هديا ينحر في نهاية أيام الإحرام يجوز لصاحبها الانتفاع بها. إن كان في حاجة إليها يركبها، أو في حاجة إلى ألبانها يشربها، حتى تبلغ محلها وهو البيت العتيق. ثم تنحر هناك ليأكل منها. ويطعم البائس الفقير.
وقد كان المسلمون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يغالون في الهدي، يختارونه سمينًا غالي الثمن، يعلنون بها عن تعظيمهم لشعائر الله، مدفوعين بتقوى الله. روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «أهدي عمر نجيبًا فأعطى بها ثلاث مائة دينار، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أهديت نجيبًا، فأعطيت بها ثلاث مائة دينار. أفأبيعها واشترى بثمنها بدنًا؟ قال: لا. أنحرها إياها».
والناقة النجيب التي جاءت هدية لعمر رضي الله عنه قومت بثلاث مائة دينار لم يكن عمر رضي الله عنه يريد أن يضنَّ بقيمتها، بل كان يريد أن يبيعها فيشترى بها نوقًا أو بقرا للذبح. فشاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحي بالنجيب ذاتها لنفاستها وعظم قيمتها، ولا يستبدل بها نوقًا كثيرة، قد تعطي لحمًا أكثر، ولَكِنها من ناحية القيمة الشعورية أقل.
والقيمة الشعورية مقصودة {فإنها من تقوى القلوب}. وهذا هو المعنى الذي لحظه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لعمر رضي الله عنه- «انحرها إياها» هي بذاتها لا سواها!
هذه الذبائح يذكر القرآن الكريم أنها شعيرة معروفة في شتى الأمم؛ إنما يوجهها الإسلام وجهتها الصحيحة حين يتوجه بها إلى الله وحده دون سواه:
{ولكل أمة جعلنا منسكًا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون}..
والإسلام يوحد المشاعر والاتجاهات، ويتوجه بها كلها إلى الله. ومن ثم يعنى بتوجيه الشعور والعمل، والنشاط والعبادة، والحركة والعادة؛ إلى تلك الوجهة الواحدة. وبذلك تصطبغ الحياة كلها بصبغة العقيدة.